موقع الدكتورة لبيبة خمار

29 Jul

تأملات حول الشعر الرقمي المترابط، قصيدة وجود لمحمد سناجلة، أنموذجا

Publié par موقع لبيبة خمار

تأملات حول الشعر الرقمي العربي

إن الشعر الرقمي أو الإلكتروني هو كل شعر أنتج في بيئة رقمية ليتداول في نفس البيئة مصطبغا بطابع الهجنة المتولد من الدمج بين ما هو لغوي لساني، وسكوني وبين ما هو لغوي شبكي، وتفاعلي ودينامي ممثلا في لغة البرمجة القائمة على مبدأ الأمر والإستجابة والتنفيذ الرابطة بين المبدع/ الشاعر والمبحر عبر وسيط هو الشاشة. لذلك يعتمد في وجوده على كل دعامة رقمية سواء ارتبطت بالإنترنت أم لم ترتبط مبتعدا في ذلك عن الشعر الورقي المرقمن الذي كتب على الورق موجها إلى قارئ متصفح مستحثا إياه على القراءة لا الإبحار. فالشعر الرقمي أو الإلكتروني هو كل شعر يستحيل نقله على الورق، أو ينقل لكنه يفقد حيويته وديناميته وسماته الأساس التي تجعله يعول على نشاط القارئ التفاعلي والمشارك في بنائه مستفيدا مما تمنحه الوسائط المتعددة من إمكانيات للدمج بين النصي وبين السمعي أو البصري(قصائد الفيديو)، أو الحركي( نموذج أشعار منعم الأزرق) مقتربا في ذلك من الفنون الجميلة أو من الفن المسرحي والسينمائي الذي يعتمد على العرض كتقنية أساسية بها يتبلور ويتشكل ويبلغ رسالاته الجمالية والتأثيرية القائمة على التفاعل والمشاركة لا الانفعال والتأثير. كما يستفيد من تقنية النص المترابط لجعل النص الشعري يعرض في مجزوءات أو شذرات تترابط فيما بينها بمجموعة من الروابط كما نلاحظ من خلال النص الشذري/الشعري " وجود" للمبدع محمد سناجلة المتضمن في رواية الواقعية الرقمية "شات" المتقدم كنموذج للشعر المترابط التفاعلي حيث اعتمد على أربعة روابط هي: الضوئية، حقيقة، سواي، الوهم لعرض المجزوءات الأربع المكتوبة على أوراق الأشجار المتحركة والمنبثقة من أصل يتمركز في الوسط عنه تبتعد كظل يعيش في حركيته تيها زمانيا، ومكانيا، واجتثاثا نفسيا، ووجوديا يؤكد تعددية الأنا وغيريتها، وخلافها واختلافها عن الأصل، وارتهانها به وتفويضها أمرها إليه. فبعيدا عنه هي ظل، وظل للظل، وظل لظل الظل...سيرورة من المحو للذات أو للحقيقة. وحضور للآخر أو للوهم. فالظلال أو الذوات المستنسخة صور خادعة، وكاذبة ومشوهة عن الأصل، تدفع الذات الواحدة/المتعددة لتعيش ذاك التيه الحتمي، والحضور المتآني للآخر وسط سطوة الصور، وقسوة الحقيقة، ومرارة الابتعاد عنها لتستقر أخيرا في المكان/الشاشة غريبة منعزلة.

إنه واقع كل ذات، وكل أنا، تكتشف في لحظة مجثثة عن الزمن غيرتها وتعددها. وواقع كل مبدع رقمي يكتب نصا افتراضيا يعول فيه على مبحر افتراضي قابلا بذلك باستنساخ ذاته ومشاركته كتابة النص، ولذته البكر للتحول ذاته بموجب عقد لعبي إبداعي، ووجودي إلى ذات متعددة غيرية تحرر كليا بالغمس في الافتراضي، والانسلاخ من الواقع لدرجة يصبح مستحيلا فيها الحسم أيهما الأصل وأيهما السيمولاكر أو الظل الكاذب والمشوه: أهو الواقع أم الافتراضي؟

إن حركية المجزوءات كعنصر تقاني رقمي ينبغي أن ينظر إليه في بعده الشعري الإستتيقي القائم على ثنائيات: الأصل والظل، الوهم والحقيقة، الذات والأخر، الزمان والمكان، السكونية والحركية، الوجود والعدم المتقدمة كبنى عميقة تتضام والنصي لتنسج معماريته ودلالاته المتصلة والمنفصلة المرتكزة على الروابط كصورة بلاغية وتقنية تشتت النص، وتوحده جاعلة وحدته وحدة مصدعة وبناءه بناء مشتتا رغم ما يشوبه من تضام معتمدة اعتمادا كليا على المبحر لتنشيط الروابط، وتحيين النص، وإخراجه من دائرة الكمون إلى التواجد عبر سيرورة من الظهور والتواري، الوجود والعدم، الأصل والأثر مفصحة عن شعر رقمي مترابط تفاعلي يتيح للمبحر مناورة النص وإعادة بنائه، وتشكيله: كتابة، وقراءة فمن خلال عمليات الإبحار المتتالية يتم القبض على خصوصيات هذه الشذرات والمجزءات الشعرية وجمالياتها القائمة على التداخل بين الزماني، والمكاني وعلى سحر اللحظة الهاربة مع كل نقرة، وتنشيط للكلمات/الحقائب المنظور إليها كنائيا كشذرة محتملة أو شذرات تتقاطع، وتتواصل باحثة في تجزئها عن تماميتها واكتمالها.

لقد اعتمد المبدع" محمد سناجلة لإظهار ثنائية الأصل، والظل أو الحضور، والغياب على تقنية الرابط المتقدمة كآلية قائمة على المحو أو الانمحاء حيث تمحي الأصل سامحة بظهور الظل الذي يتحول بدوره إلى أصل، ومنها إلى ظل ما أن ينشط المبحر الرابط البارز كنتوء والمتقدم مجازيا كشاهد يعلن اضمحلال حياة وبدء أخرى مستندا على اللون الذي يغادر قوته ووضوحه ليصبح باهتا وشاحبا مع كل نقرة.

 

محمد سناجلة: في المستقبل القريب سينتهي عصر القارئ الورقي والكتاب الورقي، لكني لا اكتب للزمن الحاضر، إن كتابتي هي للمستقبل

Commenter cet article